تلقيت تعليقا على موضوع حد الردة السابق نشره و برغم كونه لم يضف جديدا لى الا أنه وجدت أنه يستحق أن ينشر فى تدوينة منفصلة مع الرد الوافى عليه
بداية أقوم بترجمة تعليق الزائر:
"أريد أن أجيب على اهتمامكم و تساؤلكم و لكن يجب أولا أن نتفق علىحقيقة بسيطة"
"فى الاسلام لا يوجد شىء اسمه فى رأيى أو لا أعتقد أن هذا صحيح و لكن يوجد مصدران فقط للتشريع: القراّن و السنة"
"كمسلم عليك أن تفكر بشدة لكى تتأكد أن هذه الاّية صحيحة و أن تفسيرها هو كذا, أيضا الحديث نحن مطالبون أن نفكر و نتحقق من صحة الحديث"
"عندما تتأكد أن هذه الاّية أو الحديث صحيح فعليك بتنفيذها و عتناقها بأوامرها ونواهيها بغض النظر عن توافقها أو تعارضها مع أفكارك و مبادئك"
"الاّن نأتى الى حد الردة: الاّية التى يتعلل بها الكثيرون لرفض صحة حد الردة هى فى سورة البقرة "لا اكراه فى الدين" ما لا يعلمه معظمهم أن تفسير هذه الاّية ينطبق على قبل اعتناق الاسلام فيعرض عليك الاسلام و أنت حر تقبله أو لا فاذا قبلته لا تنطبق هذه الاّية عليك فمكانها هو قبل اعتناق الاسلام"
"حد الردة حقيقة لا ينكرها الا من لم يدرس فقه أو حتى لم يقرأ بعض الأحاديث النبوية"
ثم يذكر الزائر الحديثين الذين يذكران حد الردة:
عن ابن عباس رضي الله عنهما يرفعه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه قال: "من بدَّل دينه فاقتلوه
ALSO
وما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يحلُّ دمُ امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث"، وذكر منهم: "التارك لدينه المفارق للجماعة".
لم يكن سبب رغبتى فى الرد على هذا التعليق كونه يحمل أوجها للصحة و لكن لأنه يمثل المفهوم الشائع الذى سعيت و أسعى لتغييره:
أولا: لابد أن نتفق على عدة نقاط أساسية:
1- المصدر الوحيد للتشريع هو القراّن و السنة و كل ما بنى عليهما من فقه و تفاسير انما هو اجتهاد بشرى قابل للأخذ و الرد
2- من قواعد تحقيق الأحاديث مقارنته بالقراّن فاذا خالفه رفض هذا مبدأ فقهى يعتبر ثابت لكن ما أهدر هو معقولية الحديث كشرط لثبوت صحته فعلم الحديث أولى جل الاهتمام بالاسناد و قليل منه لمضمون الحديث نفسه عكس مدرسة الامام أبو حنيفة التى تشتهر بأنها رفضت العديد من الأحاديث بناءا على مناقشة معقولية المضمون ذاته
3- الصحابة و المفسرون و واضعى علم الفقه هم بشر يخطئون و يصيبون و علومهم كانت بناءا على اجتهادات عقلية لذا فهم مصدر للنقاش و ليس للنقل الأعمى
الاّن لنناقش التعليج جزءا جزءا:
1-
يعترض القارىء العزيز على ابداء الرأى فى أمور الدين و هو أمر غريب لأن التفاسير لذات الاّية أو الحديث كثيرا ما تتضارب أو تتباعد قليلا أو كثيرا, فلو كان النص الدينى يحمل مضمونا مفسرا ذاته بذاته لما وجد هذا التضارب و لكن لأن الفهم البشرى للنصوص يتدخل ليستخرج منها مضمونا يمثل "رأى المفسر" فى مضمون النص المقدس
يقول أبو حنيفة: "قولنا هذا رأى و هو أحسن ما قدرنا عليه فمن جاءنا بأحسن من قولنا فهو أولى بالصواب منا"
2-
بعد ذلك يسلم القارىء بأن بعد ثبوت النص لا تبقى غير الطاعة و هو أمر أختلف معه فيه أيضا!!
القراّن نص الهى انقسم حوله العلماء الى فرق لها مذاهب مختلفة فى التفسير بعضهم ذهب الى تضمين النص على ما لا نهاية من المضمون لكى يستطيع النص الالهى أن يلائم كل عصر, و أيا كان اعتقادنا فلابد أن نفهم أن ثبوت النص لا يعنى بالضرورة ثبوت "الدلالة أو المغزى وراءه" بل ان تلك النصوص قطعية الدلالة و التى لا تبدوا متضمنة لأى معانى أو مغزى خفى قليلة الى حد كبير
أيضا السنة ووجوب تنفيذها أمر ليس بالسطحية التى نقرأها فى التعليق, اتفق أغلب المفسرون على تقسيم السنة من فعل و قول من حيث مصدرها الى :
1- محمد النبى (وحى لكن بمنطوق بشرى)
2- محمد القائد : أوامر و تقريرات لها أسباب سياسية و تاريخية مرتبطة بوضع الدولة و وضع النبى (صلعم) كقائد للأمة
3-محمد الانسان: و هى أفعال و أقوال و تصرفات اكتسبها النبى من خبرة الحياة
و يذهب المفسرون الى أن السنة الملزمة هى القسم الأول فقط لكن للأسف لم يمنحنا المفسرون قاعدة نقوم على أساسها بتقسيم السنة طبقا لهذا التصنيف و انما اكتفى الجميع بطرح أمثلة على كل قسم
3-
من قواعد التشريع أن لا يفرض تشريع بناءا على حديث اّحاد و هى الأحاديث التى رويت و صح اسنادها لكن لم يوردها جمع من الصحابة, و الأصل فى التشريع القراّن و يدعم و يوضح التشريع وجود الحديث صحيح الاسناد
و لمن لا يعرف ما هو حديث الاّحاد نورد هذا الشرح للشيخ محمود شلتوت:
--------------------------
المتواتر والآحاد:
ولكي يتضح مناط (القطعية والظنية) في ورود الحديث ينبغي أن نبين ما قرره العلماء في (التواتر والآحاد) ليكون مناراً يهتدي به من يريد الوصول إلى الحق:
قسم العلماء (السنة) إلى قسمين: ما ورد بطريق التواتر، وما ورد بطريق الآحاد. وضابط التواتر أن يبلغ الرواة حداً من الكثرة تحيل العادة معه تواطؤهم على الكذب. ولابد أن يكون ذلك متحققاً في جميع طبقاته: أوله ومنتهاه ووسطه، بأن يروى جمع عن النبي (ص)، ثم يروى عنهم جمع مثلهم، وهكذا حتى يصل إلينا، وهو عند التحقيق رواية الكافة عن الكافة.
الآحاد لا تفيد اليقين:
أما إذا روى الخبر واحد، أو عدد يسير ولو في بعض طبقاته، فإنه لا يكون متواتراً مقطوعاً بنسبته إلى رسول الله (ص)، وإنما يكون (آحاديا) في اتصاله بالرسول شبهة، فلا يفيد اليقين
نذكر هنا أن الحديثين المذكورين من أحاديث الاّحاد و هناك خلاف كبير اذن حول صحة بناء تشريع على حديث اّحاد بدون سند من القراّن
4- التفسير الذى ذكرة الصديق ل اّية "لا اكراه فى الدين " هو تفسير من وضع بشر أى أن انكار هذا التفسير و القبول بتفسيير أكثر سماحة لا يتعارض مع الدين بل يبدو أقرب لروح الدين و مبادئه التى تنادى بحرية العقيدة و لذلك رأيت أن الأخذ بالتفسير الثانى أقرب للصواب (و هو رأى يحتمل الخطأ)
5- أخيرا, هناك أراء فى الفقه و التشريع لا يسعنا المجال لذكرها كفقه المقاصد و فقه المصالح و التوفيق بين النص و الواقع و تخصيص العام و تقييد المطلق و هى كلها طرق و أساليب تصل بنا الى نتائج خلاف ظاهر النص و نورد هنا مثلا واحدا لفقه المقاصد:
اذا سنت شريعة لمقصد معين (يتم الوصول الى المقصد بالبحث و الدراسة) ثم فى عصر تالى تغيرت الأحوال لتصبح هذه الشريعة تؤدى الى خلاف ما سنت له بطل العمل بها
(راجع هنا ابطال سهم المؤلفة قلوبهم فى عهد الخليفة عمر برغم كونه مؤكدا لبطلان العلة)
أخيرا أتمنى من الجميع الاشتراك فى هذا النقاش و طرح رؤيتهم للموضوع و مبرراتهم و أتوجه بالشكر للصديق وائل المغربى على مجهوده و تعليقه
Read more :
ارهاب النصوص
حد الردة
نقد " نقد الخطاب الدينى"